الادارة
. 20 يناير, 2025, 10:47 AM
التفاهة .. وباء عابر للزمان والمكان
الكاتب: د. صبح البداح
تاريخ كتابة المقال: 20/1/2025
التفاهة ليست ظاهرة جديدة، بل هي مظهر من مظاهر الغفلة التي أصابت البشر في مختلف العصور. يعبر الإمام ابن الجوزي في نصه الخالد عن هذه القضية بقوله: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا... فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة، وهي تجري بهم، وما عندهم خبر!". هذه الكلمات تلخص مأساة الإنسان الذي يهدر وقته في أمور لا تعود عليه بالنفع في الدنيا أو الآخرة، غافلًا عن حقيقة الحياة ومعنى الوجود. في هذا المقال، سنناقش التفاهة في عصرنا الحاضر وسبل محاربتها، مستلهمين من نص ابن الجوزي منهجية فكرية إسلامية واضحة.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا: إن طال الليل، فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر! وإن طال النهار، فبالنوم! وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق! فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة، وهي تجري بهم، وما عندهم خبر!
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد، والتأهب للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون...
فالله الله في مواسم العمر! والبدار البدار قبل الفوات!
1. التفاهة كظاهرة عابرة للزمان والمكان:
ما أشار إليه ابن الجوزي في عصره يمكننا إسقاطه على عصرنا الحاضر، حيث تتجلى التفاهة بأساليب أكثر تنوعًا وتأثيرًا بفعل التكنولوجيا ووسائل الإعلام. الترفيه المفرط، استهلاك المحتوى السطحي، والانشغال بالتفاصيل التافهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كلها مظاهر حديثة للتفاهة. يشبه الأمر سفينة تمضي بركابها دون إدراكهم للوجهة التي يتجهون إليها، كما وصف ابن الجوزي.
2. فهم معنى الوجود:
القليل من الناس يدركون حقيقة أن العمر رأس مال الإنسان، وأن الحياة هي موسم للتزود بالأعمال الصالحة. يذكّر النص أن "النادرين قد فهموا معنى الوجود"، وهم الذين يركزون على إعمار وقتهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة. في عالمنا اليوم، يُترجم هذا الفهم إلى استثمار الوقت في طلب العلم، والعمل الصالح، وخدمة المجتمع.
3. وسائل محاربة التفاهة:
o التربية الواعية: تربية الأجيال على استشعار قيمة الوقت وتوجيههم نحو أهداف نبيلة تعزز من معاني المسؤولية الفردية والجماعية.
o الانتقاء في الاستهلاك: الحذر من المحتوى الإعلامي السطحي واختيار مصادر تثري الفكر وتنمي القيم.
o الصحبة الصالحة: مجالسة من يذكِّرونا بالله ويعينونا على الخير، لأن الصحبة تؤثر بشكل كبير على توجه الإنسان.
o تحديد الأولويات: وضع أهداف واضحة للحياة والعمل على تحقيقها بما يتماشى مع رضا الله، بدلاً من الانسياق خلف تيارات الاستهلاك والتسلية.
إن التفاهة في عصرنا أكثر انتشارًا بسبب توفر وسائل الإلهاء بكثرة، ولكن الإنسان الواعي يدرك أن الحياة قصيرة وأن مواسم العمر لا تحتمل الإهدار. كما قال ابن الجوزي: "فالله الله في مواسم العمر! والبدار البدار قبل الفوات!". يمكن محاربة التفاهة من خلال العودة إلى قيم الإسلام التي تعلي من شأن الوقت وتحث على العمل الصالح. بالتربية الواعية وتحديد الأولويات والانتقاء في الاستهلاك الإعلامي، نستطيع أن نبني مجتمعات تقدر قيمة الحياة وتسعى لتحقيق رسالتها بكل جدية.
فلنتذكر أن السفينة تمضي، ولنحرص أن نكون من الواعين بوجهتها، لا من الغافلين الذين يضيعون وقتهم في حديث لا ينفع.